السبت، 25 أكتوبر 2008

رسالة عيد الحب









الجنس علاقة اندماجية نوعية لا تقبل التوظيف

توصلت الغايات البشرية المرتبطة بنظام السلعة المؤثرة على سلامة الوجود ونظافة الوعي من الرخص الجاري في مسار السلوك البشري وتوظيف الشهوة والميول الحادة عند الجنس لخلق واقع مستهتر يتحرك من مجراه الأسفل فيؤثر على تطبيق الوعي الحقيقي في مجراه المعبر عن طموح الإنسان نحو التقدم المرتبط بالحرية والثقافة فالجنس هو الصيغة الكمالية للنمو والاستقرار وتحقيق الحياة العضوية في استمرارها الدائم والمعبر عن فاعلية دائمة وعميقة في وعيها وعقلها والمعدة لتحقيق الرغبة الناتجة عن الغريزة العضوية النابعة من الأصولية الصحيحة وتحقيقها في أعلى غايات الوعي المنسجم مع هذه الرغبة يتفاعل الكائنات معها على أساس موضوعي ولغايات إنسانية مرتبطة بالتواصل وتوسيع نظام الانفتاح إلى أقصى حد فالجنس هو انفتاح الجسد على الجسد والوعي على الوعي والحب يتعمق في واقع التطبيق والتطابق بعيدا عن الخطأ الناتج عن الفهم المنحرف للعلاقات الجنسية الدونية أو الفوقية من أجل تتويج الذكورة بشكل يجعل منها صيغة أخلاقية قهرية ناجمة عن الاحتقار المتولد عبر الفكر التاريخي ومفاهيمه القائمة على الانحراف عن طبيعة الإنسان الطبيعية وغاياته المتسامية بعد تجاوز التشوه في ماهيته الجوهرية المتشكلة من النزعة الدائمة في تحقيق السيطرة والتنوع في العلاقات الجنسية بأساليب بعيدة عن الموضوعية وذات أهداف في حقيقتها إجرامية
مبنية على العنف والسريّة في إقامة مثل هذه العلاقات .
فالجانب العلمي للعلاقة الجنسية يدعوها أن تحقق أعلى صيغ الكمال الشخصي للصيغة الفردية عبر هذا التبادل بين كائنين واعيين ومتساويين ومتكاملين , على أن تكون هذه العلاقات مبنية على مقدرة معرفية كاملة للوعي النقدي الدائم . وعندما يتخذ الجنس أبعاداً انحرافية بعيدة عن السوية الإنسانية يجب أن يكون النقد واضحاً وعلنياً دون أن يرافق ذالك أي اعتبار آخر غير مصلحة الطرفين الجنسية , عندها يصبح الجنس في واقعه إنسانياً ويخدم المسيرة الإنسانية النامية .
فالحياة والجنس قضيتان متلازمتان مع الحالة المتولدة من وصول النضج الجنسي لأنه المقياس الوحيد لإقامة العلاقة الجنسية بين الطرفين بطبيعية تامة , لأن الإنسان يتبع حياته العضوية في حياته هو لا في حياة غيره وكل ما يهمه تأمين مستلزمات وجودها من خلال التجمعات البشرية التي يعيشها . ولا تتسم السمة الجنسية بغير السمة الموجودة من أجلها فهي تعبير عن الحاجة والنضج أولاً وتعبير عن متابعة الحياة التناسلية من الناحية الثانية .
فالدخول التاريخي في دائرة التخصص الجنسي أدى إلى نشوء مجموعة متنامية من القوانين والمبادئ المؤدية إلى ظهور العلاقات الجنسية المحدودة بما يؤدي إلى الاستقلالية التامة وعدم التورط في متاهات الحياة الجنسية المتشابكة والغير مؤطرة بارتباطات ناتجة عن التوافق والتفاهم وتشكل منظومة أولية من البنية الاجتماعية في إطار أسرة واحدة , اكتسب مجموعة من قيم التحليل والتحريم واتخذت مع التقدم طابع الدقة والجدية التامة في التنفيذ , وأصبحت قوانين العلاقات الأسروية قائمة في ذاتها , أدت إلى تقليص نفوذ الطرفين الذكر والأنثى على السواء لكن الخسارة الأكبر كانت من نصيب الأنثى لمنعها من قدرة التحكم بالعملية الجنسية بالاختيار الحر.
إن صيغة الزواج هذه تمت بكثير من الدقة والحرص جعلها تتخذ منحى ثابتاً ومستقراً عبر التاريخ وأصبحت الأسرة هي الكينونة المصغرة عن الحياة الجماعية القديمة , وأصبحت الرابطة الأسروية أقوى الروابط وأكثرها التزاماً بالمبادئ والأسس الصادرة عن الأوضاع المرتبطة بالمجتمع .
واتخذ الأب الأسروي الصفة القائدة والموجهة بدون منافسة , وتعمق الالتزام بهذه الروابط عبر مسيره طويلة من المشاكل الإنسانية أدت إلى تباينات في عملية الامتلاك المادي الفردي وامتلاك القيم الأخلاقية الفردية على السواء , خلق واقعاً تناقضياً بين المصالح بالدرجة الأولى والمفاهيم الفوقي بالدرجة الثانية واستمر الوعي البشري بالتقلب وتكديس المعارف المقيدة لحرية التصرف والسلوك.
فكان الانبعاث الكبير للأديان له بالغ الأثر في تشكيل مثل هذه المفاهيم , لتوحيد المعارف الإنسانية بناءً على تعليمات مشتركة صادرة عن أوامر فوق عادية من أجل الناس أنفسهم ومن أجل تأمين السلامة العامة في الممارسات الجنسية وبقية العلاقات الأخرى , بإدخال التخويف الداخلي الناجم عن التهديد الدائم بالعقاب , والتركيز لتغيير بنية النفس البشرية وجعلها تتقبل مصيرها المرتبط بالخير والشر في واقع محدد ومؤجل بناءً على غاية الخالق وطبيعة مجرى سلوك الخلق أنفسهم وتوظيف الحساب الأبدي للتقليل بقدر المستطاع من الأهواء البشرية المنحرفة .
قلبت الأديان المعادلة الجنسية بشكل تام وشامل وأصبحت من حق الذكورة في اختيار الهوية الجنسية , وأصبح الذكر هو الأساس في قيام العلاقة الجنسية على أساس الزواج واتخذ الزواج طابع الوكالة ليصبح الأب أو ما ينوب عنه هو الأساس في تحديد قيام علاقة الزواج واختيار الزوج المناسب واتخذت طاعة الزوجة للزواج شكلاً إيمانياً.
هذا ما جعل المجتمع يتمتع بنصف القوى الإبداعية الصادرة عن الرجل وحده مما أدى إلى توجيه التطور باتجاه لم يحصل لو أن النصف الآخر مفتوح الحرية لإظهار إمكانياته وإبداعاته الذاتية والمشاركة الفعّالة في الحياة الاجتماعية ولاقتصادية والثقافية وجميع المسائل المتعلقة بالتطور والنمو العام للمجتمع.
إن جميع المسائل المتعلقة بواقع التحليل والتحريم والانحرافات الجنسية وأنواع العقوبات المفروضة على البشر بشقيها الأرضي والسماوي, أدى إلى صياغة الحياة وفق نمطية حياتية متطابقة مع هذه التعاليم في غاياتها العامة وجميع التداخلات الإنسانية النابعة من مصلحة المستفيدين من هذه الأحكام والمؤثرين في المجتمع من خلال المراكز الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي يحتلونها , كيّفوا هذه المسائل وفق ما يخدم مصالحهم وتتابعت عمليات التأويل والتفسير بحيث أصبحت من التنوع بشكلٍ لا يطاق, كما جعل الحياة الاجتماعية وطرائقها الحياتية متنوعة ومتباينة في مضامينها ومفاهيمها تجاه المسألة الجنسية , وجعلت إمكانيات الخرق الدائم لهذه المسائل قائماً عبر التاريخ , رغم أن المسألة الجنسية كانت تمثل قمة المشاكل والمشاغل الاجتماعية , فقد تطورت بتنوع كبير واتخذت مفاهيم متعددة في الحياة العامة , ونمت البشرية بأخطائها الكثيرة , ونظراً للتراكمات الهائلة في الفكر الجنسي اتخذ الجنس وضعاً بنيوياً في غاية التعقيد ومسألة حل مشاكله معقدة , وما زال الجنس يمثل انحرافاً عن ماهيته الجوهرية , سواءً اتخذت بعض الحضارات مطلق الحرية وجميع التسهيلات لتأمين الناحية الجنسية واستخدام كافة الوسائل للترويج والدعاية له , فإن الجنس لم يخرج عن الواقع الإنحرافي العام ولم يدخل بعد الحياة الطبيعية لأنه مبني في أساسه على صيغ انتفاعية وأداةً من أدوات الترويج والسيطرة وأحد أنواع السلب والاستغلال .
فالإنتاج المتنوع للفكر والقيم الأخلاقية وظهور الدراسات التحريرية القائمة على تغيير بنية الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنمو الحضاري السريع وتعميم الإنتاج التكنولوجي والاليكتروني وسهولة النقل الدعائي الموجه للتأثير على مجمل الإمكانيات البشرية وتوجيهها لخدمة الحوار والصراع العالمي وطغيان النفوذ الإمبريالي لترويج وتسويق البضائع بكل أشكالها وما يرافق ذلك من ظهور علاقات سلوكية في غاية التنوع , نظراً لانعكاس الواقع العالمي على النفسية الإنسانية , وتأثير هذا الوضع على العلاقات الجنسية في المجتمعات الإنسانية كافةً.
فقد ظهرت علاقات حب قائمة على التفاهم وأدراك المصلحة المشتركة واستطاع كل من الذكر ولأنثى أن يتفهم وضع الأخر وإمكانياته ومقدرته العقلية وبنائه النفسي وتحقيق الانسجام من خلال علاقات زوجية مبنية على الاحترام المتبادل وحل جميع الإشكالات القائمة في الحياة عن طريق المساهمة المشتركة والنشيطة للطرفين وتأمين حد مقبول من الحرية تخدم كلاً من هما وتحقق الرغبة المشتركة في تنمية الوعي الذاتي للطرفين بما ينعكس على الأسرة ويخلق واقعاً أفضل لنمو الطفل بعيداً عن الإشكالات الكلاسيكية المعرقلة للسعادة الزوجية والرابطة الاجتماعية الواقعية.
في المقابل نشأت علاقات جنسية فوضوية بعيدة كل البعد عن الالتزام و تحقيق الرغبة المشتركة للطرفين بشكلها الطبيعي مما جعل هذه العلاقات عابرة و سطحية بعيدة عن شروط الاستمرار ,تعبر عن نزعة مفرطة بالبيولوجية المحضة , و بعيدة عن الانسجام النفسي و الاجتماعي نظراً للتأثير السيئ لمجمل الأساليب الدعائية الصادرة عن الأوساط الساعية لتحقيق أعلى قدر من الفوضى الجنسية و حرف الإنسان عن مشاكله الحياتية و اهتماماته الإنسانية ,و جره إلى متاهات سلوكية في غاية السطحية و الللامسؤولية ,مما يساعد على الارتقاء الأمثل لهذه الأوساط و توسيع نفوذها و تسهيل إمكانية المحافظة على واقع يؤمن لها الاستمرارية و الوجود و تحقيق أعلى قدر من الربح و ترويج الإنتاج و الفوضى الجنسية القائمة في الواقع الراهن و على الصعيد العالمي ,و تشكل خطراً على سلامة الإنسان الطبيعي و تخلق عنده وضعاً مريباً و إنعتاقاً تاماً من المبادئ و القيم الإنسانية فيظهر الإنسان في حياته ضمن الواقع الاجتماعي منهار القوى لا يعرف الاتجاه الصحيح لمتابعة حياته متجنباً هذا الانهيار و تظهر الحياة أمامه بنية سوداء تبشر بالرعب و الحقد فتنهار قواه العصبية و النفسية و يزداد الوهم و الوهن في ذاته و ينشأ وضع مقيت يظهر الناس مثل الدمى بدون اتجاه ولا هدف و لا فاعلية مما يؤدي إلى نشوء وضع مقلقل يؤجج واقع الإرهاب و يعزز بؤر الفساد و الأمراض و غيرها من أساليب الخداع و التدهور في بنية الحياة الإنسانية .
فالحقيقة العلمية تؤكد بأن الفوضى الجنسية و عدم الوعي التام و الدقيق لهذه العلاقات لا يمكن أن يخلق غير إنسان مسلوب العواطف و القيم الأخلاقية مما يجعل جميع الروابط القائمة على هذه العلاقات هامشية و بعيدة عن الوعي و المسؤولية ,و يصل الإنسان فيها لدرجة الحرمان من جميع الإمكانيات القادرة لتحقيق غايات أكبر وأوسع و تصبح علاقة الإنسان بالإنسان مبنية على مجموعة من القواعد المنحرفة التي توسع دائرة الرعب الداخلي للإنسان و تشكل خطراً حقيقياً على بناءه الداخلي النفسي و الفعلي و تفقده إمكانية العطاء الحر و الإنساني ,و بعد أن تتأكد الإنسانية بأن الفوضى الجنسية كارثة حقيقية لعدم تدخل الوعي المعرفي للإنسان في إنسانيته ,لتنظيم و ضبط الأفعال الجنسية المنهارة لهذا السلوك المنحرف للبشر ,وظهور القوى الإبداعية الخلاقة و الموجهة نحو تعميم السعادة لجميع النفوس بعد الإدراك العام لجميع الأبعاد الصحيحة للانسجام الإنساني , و ظهور التطابق في الوعي الديناميكي لإنسانية الحضارية القادمة بعد حذف وإسقاط جميع الوسائل الحالية المكرسة و الموجهة لتحقيق النفوذ و السيادة و السيطرة و ترك النزعة الإمبريالية العامة و الاتجاه نحو السوية الإنسانية الحقيقية في تحقيق تعاون و تكافؤ القوى الاجتماعية و توازن القيمة الحقيقية للشعوب العالمية في الأخذ و العطاء و الوصول إلى النقطة الجوهرية لسيادة الإنسان و الطبيعة عند ها ينشأ وضع بعيد عن أي توجيه انتفاعي للنوازع الأخلاقية للإنسان المنسجم مع مبادئ وأهداف هذه الحياة و تصبح العلاقات بكافة أشكالها غاية كمالية كريمة تعطي الإنسانية عمقها و حيويتها و حريتها و تصبح عندها العلاقات الجنسية متكافئة و منسجمة ناتجة عن السوية الإنسانية و إحدى صيغ الإنسانية الدائمة و يصبح كل من الرجل و المرآة قادرين على ترك الخطأ في حينه و إقامة علاقات مبنية على الحب و التوازن الأخلاقي التام.

حسين عجميّة
Ansaroz56@gmail.com

ليست هناك تعليقات: